في ليلة احتفالية أضاءت العاصمة التونسية، انطلقت مساء السبت 14 ديسمبر 2024 فعاليات الدورة الـ35 لمهرجان أيام قرطاج السينمائية بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي.
بحضور وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي وعدد كبير من الشخصيات الثقافية والفنية والإعلامية من تونس والعالم العربي وإفريقيا، افتتح المهرجان أبوابه ليعيد تأكيد مكانته كأحد أبرز المنصات السينمائية في العالم العربي والإفريقي.
تكريم الروّاد
استهلت سهرة الافتتاح، التي قدمتها الممثلة سهير بن عمارة، بتكريم رمزين كبيرين من عالم الفن والسينما. أُضيئت القاعة بأجواء من الحنين والاعتزاز بالممثل الراحل فتحي الهداوي، أحد أعمدة السينما زالمسرح والدراما في تونس والعالم العربي، حيث أثرت مسيرته على أجيال من الفنانين.
كما تم تكريم الناقد والصحفي السينمائي خميس الخياطي، الذي شكّل قلمه إضافة نوعية للساحة النقدية التونسية والدولية.
وفي لفتة تقديرية تعكس روح المهرجان في دعم الأجيال الحالية، كرّمت إدارة المهرجان الممثلة عائشة بن أحمد، التي تسلمت درع التكريم من الفنان المخضرم رؤوف بن عمر، في احتفاء بمسيرتها اللافتة التي جمعت بين الحضور المحلي والإشعاع العربي.
رسالة فنية بنبض المقاومة
اختار المهرجان افتتاح عروضه بفيلم “واهب الحرية” للمخرج العراقي قيس الزبيدي، وهو عمل يُعدّ من كلاسيكيات السينما المقاومة.
الفيلم، الذي أُنتج عام 1987 وخضع مؤخراً للترميم، يحمل رسالة عميقة عن الكفاح الفلسطيني واللبناني ضد الاحتلال الصهيوني، مسلطاً الضوء على العمليات البطولية التي شكلت جزءاً من ذاكرة النضال العربي.
عرض النسخة المرممة من الفيلم كان بمثابة استعادة لتاريخ سينمائي وفني يلتقي مع روح أيام قرطاج التي طالما دعمت قضايا الحرية والمقاومة.
تضمن حفل الافتتاح فقرات موسيقية أبدع في تقديمها الأوركسترا السمفوني التونسي وأصوات أوبرا تونس، إضافة إلى أداء غنائي مميز للأخوين نور وسليم عرجون، إلى جانب عرض كوريغرافي يجسد قضايا الشعوب المضطهدة ويدعو إلى تحقيق العدالة الإنسانية.
سينما تونسية في المنافسة
تميزت هذه الدورة بمشاركة واسعة للسينما التونسية في المسابقات الرسمية بجميع فئاتها. ففي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، شهدنا أعمالاً تحمل قصصاً إنسانية ووطنية عميقة مثل:
– “ماء العين” لمريم جعبر، وهو عمل يتناول قضايا الهجرة والهوية.
– “عايشة” لمهدي برصاوي، الذي يقدم رؤية جريئة عن حياة المرأة التونسية.
– “الذراري الحمر” للطفي عاشور، والذي يحكي عن صراعات الأجيال وتحولات المجتمع.
– “برج الرومي”للمنصف ذويب، الذي يعالج موضوع الحرية والاعتقال السياسي.
أما في الأفلام الوثائقية الطويلة، برزت أفلام مثل “الذكريات والأحلام” و”ماتيلا”، التي تعكس قضايا البيئة والذاكرة المجتمعية.
كما أظهرت فئتا الأفلام الروائية والوثائقية القصيرة مواهب شابة مثل حسام سلولي وسحر العشي، مما يعزز مكانة تونس كبيئة حاضنة للإبداع السينمائي.
فن يقاوم الاحتلال
تحت شعار “فلسطين قلب المهرجان”، قدمت هذه الدورة برامج متنوعة احتفت بالقضية الفلسطينية، أبرزها عرض فيلم “من المسافة صفر” للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي.
السينما الإفريقية والعربية
إضافة إلى فلسطين، سيكرّم المهرجان السينما السنغالية بعرض 16 فيلماً يعكس ثراءها وتطورها في إفريقيا.
كما خصّص المهرجان مساحة للسينما الأردنية تحت شعار “السينما الأردنية تحت المجهر”، لتسليط الضوء على إنتاجاتها المتطورة التي تتصدر مشهد السينما العربية الجديدة.
سينما للجميع
استمراراً لتقاليد المهرجان في الانفتاح على مختلف الفئات، قدمت الدورة الحالية برنامج “أيام قرطاج السينمائية في السجون”، لعرض ستة أفلام داخل الوحدات السجنية بحضور صُنّاع الأفلام، لإضفاء بُعد إنساني على الفن السينمائي.
كما ستشهد مدينة سبيطلة افتتاحاً خاصاً بفيلم “ماتيلا”، في خطوة تهدف إلى تقريب السينما من الجهات.
صناعة المستقبل السينمائي
ضمن منصة “قرطاج للمحترفين”، تواصل المهرجان دعمه للمشاريع السينمائية عبر برامج مثل “شبكة” و”تكميل”، حيث ستسجل الدورة الحالية مشاركة 160 مشروعاً سينمائياً في مراحل مختلفة من التطوير، منها 50 مشروعاً تونسياً.
إلى جانب ذلك، ستنُظم ندوات وورش عمل تناولت مواضيع الإنتاج السينمائي والتوزيع، لتكون المنصة حلقة وصل بين صُنّاع الأفلام والمنتجين.
تشهد الدورة الخامسة والثلاثون من أيام قرطاج السينمائية مشاركة مجموعة متميزة من صُنّاع السينما والخبراء في مجال الفن السابع ضمن لجان التحكيم المتنوعة.
تضم هذه اللجان نخبة من المخرجين والمنتجين والنقاد والممثلين من العالم العربي وإفريقيا ودول أخرى، الذين ساهموا في تطوير السينما ودعمها.
لجان المسابقات
وتشمل اللجان مسابقات الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، الوثائقية، والمسابقات الوطنية، بالإضافة إلى لجنة مخصصة للسينما الواعدة. وفيما يلي تفاصيل لجان التحكيم:
لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، يترأسها المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، المعروف بأفلامه “الجنة الآن” و”عمر”، الحاصلين على جوائز عالمية منها الغولدن غلوب وترشيحات الأوسكار. تضم اللجنة:
– سلمى بكار (تونس): مخرجة ومنتجة رائدة في السينما التونسية.
– إبراهيم العريس (لبنان): ناقد ومؤرخ ثقافي.
– بيدرو بيمينتا (موزمبيق): منتج ومستشار سينمائي في إفريقيا.
– إليان أوموهير (رواندا): ممثلة حازت على جوائز دولية.
– ماريان خوري (مصر): منتجة ومخرجة متخصصة في الأفلام الوثائقية والروائية.
لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة، تترأسها المنتجة التونسية درة بوشوشة، التي ساهمت في دعم السينما العربية والإفريقية. من بين أعضائها:
– أمل رمسيس(مصر): مؤسسة مهرجان القاهرة لسينما المرأة وصانعة أفلام وثائقية بارزة.
– محمد سعيد أوما (جزر القمر): مخرج ومدير صندوق الوثائقي الإفريقي.
– عمر صال (السنغال): منتج حائز على جوائز مثل “فيليسيتي”.
– أسماء المدير(المغرب): مخرجة فيلم “كذب أبيض”، المتوج في مهرجان كان.
لجنة تحكيم المسابقة الوطنية، يرأسها المخرج الجزائري سعيد ولد خليفة، المعروف بأعماله السينمائية والمسرحية. تضم اللجنة:
– أوليفييه بارليه (فرنسا): ناقد متخصص في السينما الإفريقية.
– سعاد بن سليمان (تونس): كاتبة سيناريو وصحفية.
– سليم البيك (فلسطين): ناقد سينمائي وكاتب.
لجنة تحكيم قرطاج للسينما الواعدة، يرأسها المخرج الأردني عبد السلام الحاج، المتخصص في تطوير التعليم السينمائي. تضم اللجنة:
– علاء الدين أبو طالب (تونس): مخرج وفنان بصري.
– إدواردو غيّو (إسبانيا): مدير فني ومبرمج مهرجانات سينمائية.
تشهد هذه الدورة حرصًا واضحًا على تنوع التخصصات والخبرات بما يعكس ثراء المهرجان ومكانته في عالم السينما.
على مدى أكثر من ثلاثة عقود، ظلت أيام قرطاج السينمائية منارة للفن السابع، تربط بين السينما والثقافة والنضال.
الدورة الـ35 أعادت التأكيد على هذا الدور، جامعة بين الإرث السينمائي العريق والرؤية الطموحة للمستقبل، في مهرجان يثبت أن السينما ليست مجرد ترفيه، بل وسيلة للتغيير والاحتفاء بالإنسان وقضاياه.