أزمة بيئية يخلفها موسم جني الزيتون بسبب مادة المرجين
تُخلّف عملية عصر الزيتون كمية كبيرة من الرواسب والفضلات تسمى في تونس مادة “المَرجين”، التي تتسبب في “أزمة بيئية” نتيجة سكبها بطرق عشوائية.
وتتأثر بهذا التلوث المحافظات التونسية الأكثر إنتاجًا للزيتون، على غرار صفاقس، والقيروان، وسيدي بوزيد، وسط مطالب بتثمين هده المادة واستغلالها بشكل سليم كثروة طبيعية، وللحفاظ على البيئة.
و”المرجين” مياه فاسدة سوداء اللون ذات روائح كريهة، وحموضة مرتفعة، وتحتوي على مادة سامة تسمى “البوليفينول”.
ويرى الخبراء أن هذه المادة تتسبب في تلوث المياه والتربة، ولها تأثيرات خطيرة على صحة الإنسان، ما لم يتم التعامل معها بطريقة علمية دقيقة.
ويسعى الناشط بالمجتمع المدني التونسي معز خرداني، مند العام 2011، برفقة أهالي منطقة “الشوايحية” في محافظة القيروان، إلى إغلاق مصب للمرجين تم تركيزه بالقرب من التجمع السكني الذي يحتوي على أكثر من 2000 شخص؛ لما سببه من أضرار بيئية.
وقال الخرداني “الأزمة تتعمق، خلال فصل الصيف، مع ارتفاع درجات الحرارة؛ إذ تصبح رائحة الهواء لا تُطاق، وقد يتسبب تلوث محيط المصب في إصابة السكان المجاورين له بمرض “اللشمانيا” الجلدي مع خطر الحيوانات الزاحفة، وتكاثر الحشرات”.
وأضاف أن هذا التلوث، “يؤدي إلى إتلاف أراضي السكان، وتردي جودة المياه، وخسارة محاصيلهم الزراعية التي تعد مورد رزقهم الوحيد”.
وتابع الخرداني: “تم التواصل مع السلط المحلية، وتنفيذ وقفات احتجاجية لإغلاق المصب، لكن هذه المطالب قوبلت بالرفض، فقد تم إغلاق المصب لمدة سنتين، ثم تفاجأنا، خلال السنة الماضية، بقرار السلطات إعادة استغلال المصب بصفة استثنائية”.
وكشفت دراسة لوزارة البيئة التونسية، أن 45 مصبًا من بين 116 مصبًا للمرجين في تونس، تتواجد فوق طبقات جيولوجية ذات قابلية مرتفعة جدًا للنفاد إليها والتسرب إلى المياه الجوفية؛ ما يشكل مصدرًا رئيسًا لتلويثها.
وتوجد 47% من هذه المصبات، فوق طبقات جيولوجية ضعيفة أو متوسطة، تسمح بنفاد الماء للمياه الجوفية، بحسب الدراسة.
وأكدت الدراسة وجود 38 مصبًا عشوائيًا تستوجب الغلق؛ لأنها لا تستجيب للمواصفات، وتهدد البيئة والمحيط، بينما يفتقر59 مصبًا لإجراءات السلامة بسبب عدم تسييجها بغطاء نباتي.
وجاء في الدراسة نفسها، أن “عملية غلق المصبات يجب أن تتبعها إجراءات لإصلاح وتأهيل الأراضي، من أجل القضاء على التلوث الذي سببته، عبر التخلص من طبقة المرجين الجافة بعد تبخر السوائل، وردم المصبات بطبقات عدة قبل زراعة المنطقة، وهي إجراءات تكلف السلطات حوالي 450 ألف دولار.
ومع انطلاق موسم جني الزيتون للعام الحالي، شرع المزارعون في بعض المحافظات بتطبيق خطة وزارة الزراعة التونسية، بخصوص استغلال مادة “المرجين” في تسميد الغراسات.
ويرى الخبير في البيئة والمناخ حمدي حشاد، أن “تونس من الدول الكبرى المنتجة للمرجين؛ إذ تحتوي على أكثر من 100 مليون زيتونة، لكنها تفتقد الإستراتيجية للتصرف بهذه المادة السامة بطريقة سليمة وناجعة”.
ورأى حشاد في حديثه لـ”إرم نيوز”، أن “هناك طرقًا عديدة ومبتكرة لتثمين هده المادة واستغلالها كأسمدة ومبيدات عبر رش المرجين بين أشجار الزيتون بكمية وتركيز محددَيْن؛ إذ يساعد على تحسين جودة المنتوج من الزيت.
ولفت إلى وجود دراسات تتحدث عن طرق عديدة لتثمين أو إعادة استخدام مادة “المرجين” يتم اعتمادها في بعض الدول، مثل خلطه مع الإسفلت واستعماله في تعبيد الطرقات، أو استعماله في التبخر الطبيعي بالطاقة الشمسية، التي تعد طريقة آمنة للتعامل مع خطر مادة “المرجين”.